فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{إِنَّ الَّذينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ}.
{فتنوا} معناه: أحرقوا، وفتنت الذهب والفضة في النار أحرقتهما، والفتين حجارة الحرة السود لأن الشمس كأنها أحرقتها، ومن قال إن هذه الآيات الأواخر في قريش جعل الفتنة الامتحان والتعذيب، ويقوي هذا التأويل بعض التقوية قوله تعالى: {ثم لم يتوبوا} لأن هذا اللفظ في قريش أحكم منه في أولئك الذين قد علم أنهم ماتوا على كفرهم، وأما قريش فكان فيهم وقت نزول الآية من تاب بعد ذلك وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، و{جهنم} و{الحرق} طبقتان من النار، ومن قال إن النار خرجت وأحرقت الكافرين القعود، جعل {الحريق} في الدنيا، و(البطش): الأخذ بقوة وشرعة، و{يبدئ ويعيد}، قال الضحاك وابن زيد معناه: {يبدئ} الخلق بالإنشاء {ويعيد} بالحشر، وقال ابن عباس ما معناه: إن ذلك عام في جميع الأشياء، فهي عبارة عن أنه يفعل كل شيء إنه {يبدئ ويعيد} كلما ينعاد، وهذان قسمان مستوفيان جميع الأشياء، وقال الطبري معناه: {يبدئ} العذاب، ويعيده على الكفار، و{الغفور الودود} صفتا فعل، الأولى ستر على عباده، والثانية لطف بهم وإحسان إليهم، وخصص {العرش} بإضافة نفسه إليه تشريفاً، وتنبيهاً على أنه أعظم المخلوقات.
وقرأ حمزة والكسائي والمفضل عن عاصم والحسن وابن وثاب والأعمش وعمرو بن عبيد: {المجيد} بخفض الدال صفة لـ: {العرش}، وهذا على أن المجد والتمجيد قد يوصف به كثير من الجمادات، وقد قالوا مجدت الدابة إذا سمنت، وأمجدتها إذا أحسنت علفها، وقالوا: في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار. كثرت نارهما.
وقرأ الباقون والجمهور: {ذو العرش}، وروى ابن عباس: {ذي العرش} نعتاً لقوله: {إن بطش ربك}.
{هَلْ أَتَاكَ حديث الجنود (17)}
هذا توقيف للنبي صلى الله عليه وسلم وتقرير بمعنى: لجعل هؤلاء الكفرة الذين يخالفونك وراء ظهرك ولا تهتم بهم، فقد انتقم الله من أولئك الأقوياء الشداد، فيكف هؤلاء و{الجنود} الجموع المعدة للقتال، والجري نحو غرض وأحد، وناب {فرعون} في الذكر مناب قومه وآله، إذ كان رأسهم و{فرعون وثمود} في موضع حفض على البدل من {الجنود}، ثم ترك القول بحالة، وأضرب عنه إلى الإخبار بأن هؤلاء الكفار بمحمد عليه السلام وشرعه لا حجة لهم عليه ولا برهان بل هو تكذيب مجرد سببه الحسد، ثم توعدهم بقوله: {والله من ورائهم محيط}، أي وعذاب الله ونقمته، وقوله: {من ورائهم}، معناه: ما يأتي بعد كفرهم وعصيانهم، ثم أعرض عن تكذيبهم مبطلاً له ورداً عليه، أنه {قرآن مجيد} أي مذمة فيه، وهذا مما تقدم من وصف الله تعالى بالمجد والتمجد.
وقرأ ابن السميفع اليماني {قرآن مجيد} على الإضافة، وأن يكون الله تعالى، هو المجيد، و{اللوح}: هو اللوح المحفوظ الذي فيه جميع الأشياء.
وقرأ خفض القراء: {في لوحٍ محفوظ} بالخفض صفة لـ: {لوح} المشهور بهذه الصفة.
وقرأ نافع وحده بخلاف عنه وابن محيصن والأعرج: {محفوظ} بالرفع صفة القرآن على نحو قوله تعالى: {وإنا له لحافظون} [الحجر: 9]، أي هو محفوظ في القلوب، لا يدركه الخطأ والتعديل، وقال أنس: إن اللوح المحفوظ هو في جبهة إسرافيل، وقيل: هو من درة بيضاء قاله ابن عباس، وهذا كله مما قصرت به الأسانيد.
وقرأ ابن السميفع: {في لُوح} بضم اللام.
نجز تفسير {البروج} والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {والسماء ذَاتِ البروج} يعني: ذات النجوم والكواكب.
ويقال: ذات القصور.
وقال عطية العوفي: كان القصور في السماء على أبوابه.
قال قتادة: البروج النجوم، وكذلك قال مجاهد: أقسم الله تعالى بالسماء ذات البروج، وجواب القسم قوله تعالى: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لشديد} [البروج: 12] ثم قال: {واليوم الموعود} يعني: يوم القيامة.
قال مقاتل {اليوم الموعود} الذي وعدهم أن يصيرهم إليه، وقال الكلبي: وعد أهل السماء وأهل الأرض، أن يصيروا إلى ذلك اليوم.
{وشاهد ومشهود} ذكر مقاتل، عن علي رضي الله عنه قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم النحر يوم الحج الأكبر.
وروي عن ابن عباس، أنه قال: الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشهيد وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شهيداً} [النساء: 41] والمشهود يوم القيامة، كقوله تعالى: {إِنَّ في ذلك لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عذاب الآخرة ذلك يوم مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وذلك يوم مَّشهود} [هود: 103].
وروى جويبر، عن الضحاك مثله.
وروى أبو صالح، عن ابن عباس قال: «الشَّاهِدُ يوم الْجُمُعَةِ، وَالْمَشهود يوم عَرَفَةِ».
وروى سعيد بن المسيب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سَيِّدُ الأَيَّامِ يوم الْجُمُعَةِ، وَهُوَ شَاهِدٌ ومشهود يوم عَرَفَةِ».
وروى جابر بن عبد الله قال: «الشَّاهِدُ يوم الْجُمْعَةِ، وَالْمَشهود يوم عَرَفَةِ».
وروى مجاهد، عن ابن عباس قال: الشاهد ابن آدم، والمشهود يوم القيامة، وقال عكرمة مثله.
وقال بعضهم: الشاهد آدم، والمشهود ذريته، ثم قال عز وجل: {قتل أصحاب الأخدود} يعني: لعن أصحاب الأخدود {النار ذَاتِ الوقود} يعني: يصيرون إلى النار، ذات الوقود في الآخرة: وقال الكلبي: النار ارتفعت فوقهم أربعين ذراعاً، فوقعت عليهم وأحرقتهم وقتلتهم، وذلك قوله: {قتل أصحاب الأخدود النار ذَاتِ الوقود} قال: حدثنا أبو جعفر، حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا محمد بن الفضل، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب الأخدود، فقال: «كان ملكاً من الملوك، كان له ساحر فكبر الساحر، فقال للملك: إني قد كبرت، فلو نظرت غلاماً في أهلك فطناً كيساً، فعلمته على هذا فنظر إلى غلام من أهله كيس فظن، فأمره أن يأتيه ويلزمه، وكان بين منزل الغلام ومنزل الساحر راهب، فقال الغلام: لو دخلت على هذا الراهب، وسمعت من كلامه فدخل عليه فأعجبه قوله، وكان أهله إذا بعثوه إلى الساحر، دخل الغلام على الراهب، واحتبس عنده.
فإذا أتى الساحر، ضربه وقال: ما حبسك؟ فإذا رجع من عند الساحر إلى أهله، دخل على الراهب فاحتبس عنده.
فإذا أتى أهله ضربوه، وقالوا ما حبسك؟ فشكى ذلك إلى الراهب، فقال له الراهب: إذا قالوا لك ما حبسك فقل: حبسني الساحر، وإذا قال لك الساحر: ما حبسك فقل: حبسني أهلي، فبينما هو ذات يوم يريد الساحر، إذا هو بدابة هائلة، يعني: كبيرة قد قطعت الطريق على الناس.
فقال: اليوم يتبين لي أمر الراهب، فأخذ حجراً ودنا من الدابة، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب حقًّا، فاقتل هذه الدابة، ورماها بالحجر، فأصاب مقتلها، فقتلها.
فقال الناس: إن هذا الغلام قتل هذه الدابة، واشتهر أمره.
فأتى الراهب، فأخبره، فقال: يا بني، أنت خير مني، فلعلك أن تبتلى لا تدلن على، فبلغ أمر الغلام أنه كان يبرئ الأكمه، والأبرص، ويداوي من الأرض، فعمي جليس الملك، فذكر له الغلام فأتاه فقال: يا بني، قد بلغ من سحرك أنك تبرئ الأكمه والأبرص، فقال الغلام: ما أنا بساحر، ولا أشفي أحدا، ولا يشفي إلا ربي.
فقال له الرجل: هذا الملك ربك، قال: لا ولكن ربي ورب الملك الله تعالى، فإن آمنت بالله تعالى به، دعوت الله تعالى فشفاك.
فأسلم فدعا الله تعالى، فبرئ فأتى الملك فقال له الملك: أليس يا فلان قد ذهب بصرك، فقال: بلى، ولكن رده على ربي، فقال: أنا، قال: لا، ولكن ربي وربك الله، قال: أولئك رب غيري، قال: نعم.
وربك وربي الله تعالى، فلم يزل به، حتى أخبره بأمر الغلام، فأرسل إلى الغلام، فجاءه فقال: يا بني قد بلغ من سحرك، أنك تشفي من كذا وكذا، فقال: ما أنا بساحر، ولا أشفي أحدا، وما يشفي إلا ربي فقال: أنا، قال: لا ولكن ربي وربك الله تعالى، فلم يزل به حتى دل على الراهب، فدعي الراهب فأتي به، فأراد أن يرجع من دينه، فأبى وأمر بمنشار، فوضع في مفرق رأسه، فشق به حتى سقط شقاهـ.
ثم دعا بجليسه، وأراد أن يرجع عن دينه فأبى، فأمر بمنشار، فشق حتى سقط شقاه، فأمر الغلام أن يفعل ذلك بمكانه، فقال: احملوه في سفينة.
فانطلقوا به، حتى إذا لججتم به فغرقوه، فانطلقوا به حتى لجوا به، فلما أرادوا به ذلك فقال: اللهم اكفينهم بما شئت، فانكبت بهم السفينة، فغرقوا فجاء الغلام، حتى قام بين يدي الملك.
فأخبره بالذي كان، فقال انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا، فإذا كنتم في ذروة الجبل، دهدهه عنه فانطلقوا به، حتى إذا كانوا بذلك المكان.
فقال اللهم اكفينهم بما شئت، فتدهدهوا عن الجبل يميناً وشمالاً، فجاء حتى قام بين يدي الملك، فأخبره بالذي كان.
وقال: إن تجمع الملك إنك لا تقدر على قتلي، حتى تفعل بي ما آمرك به.
فقال: وما هو؟ قال: تجمع أهل مملكتك في صعيد وأحد، ثم تصلبني، وتأخذ سهماً من كتابي، فترميني به وتقول: بسم الله رب هذا الغلام، فأصاب صدغه، فوضع يده على صدغه فمات.
فقال الناس: آمنا برب هذا الغلام.
فقيل للملك وقعت فيما كنت تجاوز، وقد أسلم الناس.
فقال: خذوا يا قوم الطريق، وخذوا فيها أخدوداً، وألقوا فيها النار.
فمن رجع عن دينه وإلا فألقوه فيها، ففعلوا.
فجعل الناس يجيئون، ويلقون أنفسهم في الأخدود، حتى كان آخرهم امرأة، ومعها صبي لها رضيع تحمله، فلما دنت من النار، وجدت حرها، فولت فقال لها الصبي: يا أماه امضي، فإنك على الحق، فرجعت وألقت نفسها في النار.
فذلك قوله عز وجل: {قتل أصحاب الأخدود النار ذَاتِ الوقود}»
.
وروي في خبر آخر، أن الملك كان على دين اليهودية، يقال له ذو نواس، واسمه زرعة ملك حمير، وما حولها فكان هناك قوم، دخلوا في دين عيسى عليه السلام فحفر لهم أخدوداً، فأوقد فيها النار، وألقاهم في الأخدود، فحرقهم وحرق كتبهم.
ويقال: كان الذين على دين عيسى عليه السلام بأرض نجران، فسار إليهم من أرض حمير، حتى أحرقهم وأحرق كتبهم، فأقبل منهم رجل، فوجد مصحفاً فيها وإنجيلاً محترقاً بعضه، فخرج به، حتى أتى به ملك الحبشة فقال له: إن أهل دينك قد أوقدت لهم النار، فحرقوا بها وحرق كتبهم، فأراه الذي جاء به، ففزع الملك لذلك، وبعث إلى صاحب الروم، وكتب إليه يستمده بنجارين يعملون له السفن. فبعث إليه صاحب الروم، من يعمل له السفن، فحمل فيها الناس، فخرج به.
فخرجوا ما بين ساحل عدن إلى ساحل جازان، وخرج إليهم أهل اليمن، فلقوهم بتهامة، واقتتلوا فلم ير ملك حمير له بهم طاقة، وتخوف أن يأخذوه، فضرب فرسه حتى وقع في البحر، فمات فيه.
فاستولى أهل الحبشة على ملك حمير وما حوله، وبقي الملك لهم، إلى وقت الإسلام.
وروي في الخبر، أن الغلام الذي قتله الملك دفن، فوجد ذلك الغلام في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه واضعاً يده على صدغه، كما كان وضعها حين قتل، وكلما أخذ يده سال منه الدم، وإذا أرسل يده، انقطع الدم، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليهم، أن ذلك الغلام صاحب الأخدود، فاتركوه على حاله حتى يبعثه الله تعالى يوم القيامة على حاله.
وذلك قوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود} يعني: لعن أصحاب الأخدود، وهم الذين خدوا أخدود النار ذات الوقود، يعني: الأخدود ذات النار الوقود.
ويقال: {قتل أصحاب الأخدود} يعني: أهل الحبشة قتلوا أصحاب الأخدود، أصحاب النار ذات الوقود.
قوله عز وجل: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا} يعني: القوم عند النار حضور.
قال سفيان: إذ هم عليها على السرر {قعود} عند النار {وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بالمؤمنين شهود} يعني: أن خدامهم وأعوانهم، يفعلون بالمؤمنين ذلك، وهم هناك شهود.
يعني: حضوراً.
ويقال: يفعلون بالمؤمنين ذلك، وهم شهود.
يعني: يشهدون بأن المؤمنين في ضلال، تركوا عبادة آلهتهم.
ويقال: على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، يشهدون على أنفسهم يوم القيامة.
{وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ} يعني: وما طعنوا فيهم.
{إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله} يعني: سوى أنهم صدقوا بتوحيد الله تعالى: {العزيز} في ملكه {الحميد} في فعاله.
ويقال وما نَقَمُواْ منهم يعني: وما أنكروا عليهم، إلا أن يؤمنوا بالله يعني: إلا إيمانهم بالله {الذي لَهُ مُلْكُ السموات والأرض والله على كُلّ شيء شهيد} ثم بيّن ما أعد الله لأولئك الكفار.
فقال عز وجل: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ} يعني: عذبوا وأحرقوا {المؤمنين والمؤمنات} يعني: في الدنيا {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ} يعني: لم يرجعوا عن دينهم، ولم يتوبوا إلى الله تعالى: {فَلَهُمْ عذاب جَهَنَّمَ} في الآخرة {وَلَهُمْ عذاب الحريق} يعني: العذاب الشديد.
وقال الزجاج: المعنى والله أعلم، لهم عذاب بكفرهم، ولهم عذاب بما حرقوا المؤمنين.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ذَلِكَ الفوز الكبير} جزاءً لهم.
{إِنَّ بَطْشَ رَبّكَ لشديد} يعني: عذاب ربك لشديد، وهذا قول مقاتل، وقال الكلبي: إن أخذ ربك لشديد، ومعناهما وأحد.
ويقال: العقوبة الشديدة، وهذا موضع هذا القسم.
ثم قال: {إِنَّهُ هُوَ يبدئ ويعيد} يعني: يبدأ الخلق في الدنيا، ويعيد في الآخرة من التراب.
يعني: يبعثهم بعد الموت {وَهُوَ الغفور الودود} يعني: الغفور لذنوب المؤمنين، ويقال: الغفور للذنوب الودود، يعني: المحب للتائبين.
ويقال: المحب لأوليائه، ويقال: {الودود} يعني: الكريم.
ثم قال: {ذُو العرش المجيد} يعني: رب السرير الشريف.
قرأ حمزة والكسائي بكسر الدال.
وقرأ الباقون بالضم، فمن قرأ بالخفض، جعله نعتاً لـ: {العرش}، ومن قرأ بالضم، جعله صفة {ذو} يعني: {ذُو العرش} وهو {المجيد} الشريف و{المجيد} الكريم {فَعَّالٌ لما يريد} يعني: يحيي ويميت، ويعز ويذل.
ثم قال عز وجل: {هَلُ أَتَاكَ حديث الجنود} يعني: قد أتاك حديثهم.
ثم فسر الجنود فقال: {فِرْعَوْنَ وثمود} يعني: قوم موسى، وقوم صالح أهلكهم الله تعالى في الدنيا.
وهذا وعيد لكفار هذه الأمة، ليعتبروا بهم ويوحدوه.
ثم قال تعالى: {بَلِ الذين كَفَرُواْ في تكذيب} يعني: إن الذين لا يعتبرون، ويكذبون الرسل والقرآن {والله مِن وَرَائِهِمْ محيط} يعني: اصبر يا محمد على تكذيبهم، فإن الله عالم بهم.
وقال الزجاج، في قوله: {والله من ورائهم محيط}، يعني: لا يعجزه منهم أحد، قدرته مشتملة عليهم {بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مجيد} يعني: إنهم وإن كذبوا، لا يعرفون حقه لا يقرون به، وهو قرآن شريف، أشرف من كل كتاب.
أو يقال: شريف لأنه كلام رب العزة {فِى لَوْحٍ محفوظ} يعني: مكتوباً في اللوح، الذي هو محفوظ عند الله من الشياطين، وهو عن يمين العرش من درة بيضاء.
ويقال: من ياقوتة حمراء.
قرأ نافع {محفوظ} بالضم، والباقون بالكسر، فمن قرأ بالضم، جعله نعتاً لـ: {قرآن}، ومعناه قرآن مجيد، محفوظ من الشياطين في اللوح. ومن قرأ بالكسر، فهو نعت لـ: {لوح}.
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه قال: إن الله تعالى جعل لوحاً من درة بيضاء دفتاه، من ياقوتة حمراء، ينظر الله تعالى فيه في كل يوم ثلاثمائة وستين مرة، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء.
وروي عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه قال: حدثني فرقد في قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْءانٌ مجيد في لَوْحٍ محفوظ} قال: هو صدر المؤمنين، وقال قتادة: في اللوح المحفوظ عند الله تعالى، والله الموفق بمنه وكرمه، وصلى الله على سيدنا محمد؛ وآله وصحبه وسلم تسليماً. اهـ.